من كتاب الحسن البصري الى عمر بن عبد العزيز

الدنيا عروس تزينت بخدعها وغرت بغرورها وقتلت اهلها بأملها وبذلت نفسها لخطابها , فهي لهم قاتلة فلا الباقي بالماضي معتبر ولا الآخر بما رأى من الأول مزدجر , ولا اللبيب منتفع ولا العارف مذكر , ابت القلوب الا حباً بها وأبت النفوس الا ضنّا بها , فعاشق ظفر بها فاعتز وطغى نسي المبدأ والمعاد حتى زلت عنها قدمه وجاءته ايسر ما كانت له منيته , وآخر مات قبل ان يظفرمنها بحاجته فذهب بكربه وغمه ولم يدرك منها ما طلبت .
الدنيا مثلها مثل حية لين ملمسها وسمها يقتل , دار فانية انظر اليها نظرة الزاهد المفارق لا يرجع ما تولى منها فادبر ولا يدري ما هو آت منها فينتظر , زواها الله عن انبيائه واحبائه اختباراً وبسطها لغيرهم اعتباراً واغتراراً . أخرج ثواب الطاعة منها واخرج عقوبة المعصية عنها , الصالحون نظروا الى آخر الدنيا ولم ينظروا الى اولها , انزلوها من انفسهم بمنزلة الميتة التي اشتد نتن ريحها فكل من مر بها امسك انفه .
الدنيا عندهم ثلاثة ايام يوم مضى لا يرجى , ويوم ينبغي ان يغتنم , ويوم يأتي لا يدري الانسان اذا كان من أهله او لن يكن . فاختر اليوم لنفسك واعظم الكلمة واحذر الحسرة عند نزول السكرة .