رحلتي الى جبل العرب ( 3 )

وانحدرت شمالاً الى صلخد مروراً بالكروم الكثيرة وخاصة كروم العنب والتين والزيتون ، حيث ظهرت لي قلعتها الشامخة شموخ أبناءها الميامين ، ووصلت الى الموقف أو الساحة الرئيسة حيث وجود المئذنة الملونة القديمة في وسطها والتي يعود بناءها لأحد قادة السلطان صلاح الدين الأيوبي وهو عزالدين أسامة ،للمئذنة شكل مضلّع يبلغ ارتفاعها الحالي 12م تقريباً تشبه إلى حدٍ ما المآذن المثمنة في منطقة الفرات ولمئذنة صلخد مسقطاً سداسياً و جدراناً بازلتية ذات ألوان متعددة فالأزرق في الأسفل يتلوه الأحمر ثم الأبيض و قد زودت بدرج لولبي الشكل و فتحات تهوية و ُزينت بأفاريز و زخارف حجرية تنسجم مع الفن المعماري الإسلامي في تلك الفترة و تحمل كتابة إسلامية تؤكد أنها بنيت عام 1232م بأمر من صاحب المدينة عز الدين أيبك ، و حتى اليوم لم يعثر على ملامح معمارية موازية لملامح هذه المئذنة في العالم الإسلامي .
ثم تحركت صعوداً الى القلعة وهالني التدمير الشامل الذي هي عليه بعد أن صعدت الى أعلاها بواسطة الدرج الجانبي ، وكأني بها قد تعرضت لعدة زلازل أصابتها ونثرت حجارتها وهدمت أركانها وغيرت معالمها ، والناظر من فوقها يشاهد السهول الفسيحة والمدن والقرى في الأردن وسوريا ، حزنت كثيراً على وضعها وتخيلتها يوم عزها وهي تعج بالجند وتصد الأعداء المحيطين بها ، ونزلت الى أسفلها من الخارج من الجهة الغربية والشمالية وتبين لي الحجم الحقيقي لهذه القلعة الضخمة والتي كانت على اتصال مع اخواتها من القلاع في بلاد الشام ،
انها قلعة مدهشة واختيار موقعها يدل على التخطيط العسكري المثالي في ذلك الزمن الغابرويحيط بالهيكل الخارجي للبناء تماماً خندق ماء بنيت جوانبه بالحجارة يزيد عرضه على عشرة أمتار وعمقه نحو ستة أمتار وهو حالياً تملؤه الردميات والحجارة المتساقطة من الأعلى أما الجانبين الغربي والشمالي فما زالا يقدمان صورة وافية عن هذا الخندق تجولت في البلدة التي تحيط بالقلعة احاطة السوار بالمعصم ، ورأيت البيوت المتواضعة ورأيت النهضة العمرانية الحديثة ، وأسواقها وشوارعها ، ولفت انتباهي كثرة الكروم بها والتي تم استثمارها واستصلاحها بصعوبة بالغة من قبل سكانها ، وذلك لأن المنطقة بركانية والحجارة تملئ أرضها كما لو أنها مزروعة بها .
وتعتبرمدينة صرخد أو صلخد منذ القديم وبسبب موقعها الجغرافي الممتاز عاصمة لمنطقة حوران القديمة وذلك منذ العصر النبطي والروماني البيزنطي حتى الآن وشكلت بعد اتساعها مع بصرى مركزين مدنيين كبيرين في المقاطعة الجنوبية لسورية . واليوم يتبع لمدينة صلخد أكثر من عشرين قرية ويزيد سكانها عن المائة ألف نسمة ،
تقع القلعة العظيمة على قمة صخرية بازلتية وعلى علو يزيد على ألف وأربعمائة متر عن سطح البحر ، وأهم ما يميز موقعها أنها تشرف على ريف المدينة بكامله أشرافاً دقيقاً وتشكل أعلى قمة في المنطقة وترتبط مع المواقع الأخرى بشبكة من أبراج المراقبة فالناظر منها يمتد بصره شمالاً حتى أعلى تلال جبل العرب وإلى الجنوب والشرق لا يحتجز النظر حاجز حتى مشارف البادية ، يتلقى مخفر ( خربة السمرا ) ودير الكهف التعليمات واضحة وبالعين المجردة ومن الغرب تشرف القلعة على أرض حوران بكاملها حتى مشارف الجولان وتخضع قلعة بصرى إلى مراقبتها وإشرافها ويظهر الفرق واضحاً بين ارتفاع القلعتين ، وكما هو واضح من الأبنية القديمة فالمدينة كانت قد ازدحمت بيوتها على السفح الشرقي والجنوبي للتلة على بعد 40-50م من الخندق أو السور الأول وامتدت حتى خزان الماء ( البركة ) الذي أصبح الآن الساحة العامة للمدينة وبذلك تكون القلعة قد أخضعت البيوت السكنية لمراقبتها أيضاً وبشكل دقيق .
معظم سكان المدينة يعملون بالزراعة والتجارة ، والكل يعمل تقريباً رجالاً ونساءً ، وتكاد البطالة أن تكون معدومة ، لباس الرجال الكبار يذكرني بلباس جدّي ،وهو اللباس الحوراني العتيق ، وسألت جدي يوماً من هؤلاء الضيوف الخياّلة لديك ؟ فأجابني من صلخد زلم سلطان باشا ، ويومها شبعنا من هديتهم وكانت سطلية راحة محشية بالفستق، وكيس من الزبيب والقطين ( التين المجفف) ، وكان يتعامل مع الجبل بتجارته بالحلال وغيره ،وقد ذكر لي مرة أخرى أن ضيوفه من أم الرمان في الجبل ، وأما لباس النساء الكبيرات فهو ساتراً لجسمها ورأسها ويرتدين الشارب الأبيض الناصع البياض . يتبع .....

تسلسل رائع يبعث بنا معك للسياحه في هذه المناطق الرائعه
الف شكر لك

الله محيك بديارك
منتضرين الباقي
الله يعطيك العافي تحياتي لك

تشرفت صلخد بزيارتك سيدي
على اننا نطالبك بتكرارها وانا هناك

متشوق لقراءة المزيد عن رحلتك
اللهم فرج كربتي و اغنيني عن غربتي
لاعود و اشم زهر الربيع و ريحان اجدادي
من تراب الريان و اغصان الزيتون
و لاشرب من جرة الماء في بيت جدي
تحياتي

شكرا على وصفك الغايه في الروعه يشوق المغترب لبلده
وان كنت فيها ستعود وتراها على مقدار جمالها
سلمت يداك يا استاذ فصرنا ننتضر وصفك لجبل العرب كل يوم
ودمت ودام وصفك لانا

رائع هو الوصف
و كم شوقتني لزيارة جبل العرب
موطن الموحدون

الغالي محمد

رحلتك مزروعة بالحكايات:
خصصت للبذور التي لم تُزرع بعد ,
و أنت التي سوف تزرعها في قلوبنا
حتى تحصد محبتنا و اخلاصنا
مشكور محمد
تقبل مروري
ننتظر المزيد
رب طفل شاخ من غدر الطفولة
دمشق 29 - 8 - 2010م

رائع اخي تقبل مروري