اهل الحيرة

قيل للرشيد : ان حاتم الاصم قد اعتزل الناس من ثلاثين سنة لا يحتاج لاحد في امور الدنيا ولا يكلم احداً الا في مسألة .
فقال الرشيد : لعله في مسّ اورثته اياه الوحدة ، ولكن سنمتحنه .
فارسل اليه بمحمد ابن الحسن والكسائي وعمر بن بحر والرابع يقال انه الاصمعي ، وقفوا عند خيمته ونادوه :
- يا حاتم ، يا حاتم . فلم يجبهم .
فقال أحدهم : نسألك بالله ان تخرج الينا .
فاخرج حاتم رأسه من صومعته وقال :
- يا اهل الحيرة ، هذه يمين مؤمن لكافر وكافر لمؤمن خصصتموني بالمعبود دونكم لأن الحق جرى على السنتكم وقد اشتغلتم بعبادة الرشيد عن عبادة الله .
قال احدهم : من اعلمك اننا خدم الرشيد .
قال حاتم : من لم يرض من الدنيا الا بمثل حالكم فينتهي مطلبه وقصده الى الرشيد واشباهه .
قال ابن بحر : لم اعتزلت الناس ؟ ومنهم من يقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
قال حاتم : صدقت ، ولكن بينهم سلاطين الجور يفتنوننا عن ديننا ، فالتخلي عنهم اولى .
قال احدهم : علام وطنت النفس وثبت عليه امرك ؟
قال حاتم : علمت ان القليل من رزقه يكفيني فاقللت الحركة في طلب الكثير ، وعلمت ان ميثاقي لا يقبل الا مني فانا مشغول بادائه ، وعلمت ان اجلي لا بد منه فانا بنتظاره ، واقفل باب الخيمة واقسم ان لا يكلمهم ، فعادوا الجماعة الى الرشيد واعلنوا ان حاتم اعقل اهل زمانه .