اغتيال الدكتاتور العسكري الشيشكلي

إخواني اسمحوا لي بداية أن أقدم بشرح وجيز لتاريخ سوريا بعد الاستقلال من حيث ادوار الحكم , فبعد الاستقلال 1946 جرت انتخابات نيابية أدت إلى تعين شكري القوتلي رئيساً للبلاد و استمر حكمه الى عام 1949 و هنا بدأت مرحلة الانقلابات العسكرية .

في صباح 30 اذار (مارس) 1949 صحا الناس على نبأ انقلاب عسكري ناجح قاده قائد الجيش حسني الزعيم و تم اعتقال رئيس الجمهورية و إقالته من منصبه, لكنه قام بالانقلاب باسم الإصلاح إلا انه مشى في طريق الدكتاتورية العسكرية .

أدى ذلك الى انقلاب عسكري ثانٍ ناجح بقيادة الضابط سامي الحناوي في 14 آب (اغسطس) من العام نفسه ادى ذلك الى حالة من الاضطراب في البلاد و فوضى ادت بدورها الى انقلاب ثالث قاده العقيد اديب الشيشكلي في 19 كانون الأول 1949 ليقوده الى الحكم الدكتاتوري غير شاذٍ عن من سبقه من العسكريين .

في البداية تظاهر العقيد الشيشكلي باحترامه للحياة الدستورية و الحريات السياسية الى ان فهم الوضع السياسي جيدا و استأثر بالسلطة و سمى نفسه رئيساً بموجب استفتاء شكلي انفق عليه مليون ليرة في ذلك الوقت بينما كان انتخاب من سبقه لا يكلف مئة الف فقط , و قام بتعطيل الحريات و التضييق على الاحزاب .

لقد كان بنو معروف هم عماد القوات التي حررت سوريا من المستعمر و بحكم ان سلطان باشا الاطرش كان القائد العام للثورة , فكان اي رئيس ياتي الى سدة الحكم في سوريا يجب ان يحصل على تأييد سلطان الاطرش لكي يستمر في الحكم .

زادت نقمة الشعب على تصرفات الشيشكلي و أفعاله القمعية و قد القي متفجرات على منزله في دمشق اتهم بها منصور بن سلطان مما ادى الى اعتقاله هو و اخوه ناصر حيث أرسلهما الشيشكلي الى والدهما من باب التودد و قد انذر سلطان الاطرش الشيشكلي حين زاره في ارضه في منطقة (حزحز) حيث احتار الشيشكلي اين يجلس إذ لا يوجد كراسي فقال له سلطان ( اقعد على الأرض يا أديب انت الآن رئيس دولة نالت استقلالها بفضل نضال المجاهدين و دماء الشهداء فعليك تكريم أحرار البلاد و عدم استغلال السلطة ).

و هنا بدأت الهوة تتسع بين الاثنين و كان الشيشكلي دائما يشبه أعداءه بالأفعى رأسها في جبل العرب ( معقل بني معروف )و معدتها حمص و ذنبها حلب و اذا مات الرأس ماتت الأفعى.

عقد في حمص اجتماع سري يضم كل من الاحزاب و الزعماء المعارضون للشيشكلي و اتفق على مواجهة الشيشكلي لكن تسرب خبر الاجتماع الى الدكتاتور حيث أمر باعتقال منصور بن سلطان و الأمير حسن الاطرش في دمشق و وضع زيد الأطرش قائد الدرك رهن الإقامة الجبرية كما امر باعتقال سلطان الاطرش و وجه حملة مدعومة بالآليات العسكرية و الطيران الى القريا بلد سلطان ووصل بعض عناصرها الى امام بيت سلطان الى ان محاربي بني معروف استطاعوا اسر خمسة و ثمانين جندياً فكان الجند يطوقون بيت سلطان و المحاربون يطوقون الجند وسط طقس عاصف مثلج الى ان انسحب الجيش في 29 كانون اول 1954 ,لكن اصطدم خلال انسحابه من جهة الجنوب بالمقاتلين المرابطين هناك فحصلت معركة نمرة قتل فيها 25 من بني معروف و بعض الجنود و من الضحايا الشيخ سلمان الاطرش الملقب ب( دبابة الجبل ) حيث ذكر انه قتل برصاصة و هو على ظهر حصانه و هو يقول ( الله من جهد البلى و الذل ما نرتضي فيه ) كما قتل ايضا ممدوح بن الامير حسين الاطرش .

بعد محاولة الاعتقال الفاشلة لسلطان الأطرش كلف الشيشكلي رسمي القدسي بقيادة حملة كبرى سحبت معظم وحداتها من الحدود السورية الاسرائيلية و قدرت الحملة بثلاثة عشر ألف جندي مزودين بالمدفعية و اثنتين و خمسين دبابة ,دخلت الحملة السويداء صباح الاحد في 31 كانون الثاني و بدأ الجنود يجوبون الشوارع و يطلقون النار عشوائيا و ينهبون البيوت و يقتلون كل من يعترض سبيلهم دون التميز بين الرجال و النساء و كانت خطة الشيشكلي حسب سلطان تقوم على إرهاب السكان و التدمير و إغراء القبائل المعادية على نهب قطعان بني معروف الا انها لم تستجب ما عدا خلف النعير الذي رافق حملة صلاح اخو اديب الشيشكلي في حملته التي اتت من الشرق لتلاقي حملة القدسي .لكن في النهاية دان الجبل للجند بعد معارك عديدة نشبت في القرية و الكفر و نمرة .

بعد هذه المعارك و الحصار على الجبل وجه القدسي قوة الى معقل سلطان الاطرش لاعتقاله حيا أو ميتا فقامت هذه القوة بتطويق بلد سلطان الا ان سطان لزم بيته و لم يخرج لحقن الدماء و في اللحظة الحاسمة قرر التنحي و الخروج الى الأردن بعد ان أدرك ان الشيشكلي سوف يكرر خطاه السابق حيث استطاع بيرق حبران القريبة من سلطان بفك الحصار الى أن شق طريقه و خرج من بلده و قد امر رجاله بعدم القتال حيث ان الجيش هو من ابناء البلد و بعد خروجه كان الجيش قد اقتحم منزله و قام بتخريبه و سرقة وثائق مهمة من ايام الثورة الكبرى ضد الفرنسيين , بعد خروج سلطان يمم وجهه الى الحدود الاردنية و طلب الإذن من الملك الهاشمي الحسين بن طلال بالدخول الذي ارسل الى الحدود سيارات قامت بنقل سطان و اعوانه و نقلهم الى قلعة المدورة في اقصى الجنوب .

قام الشيشكلي بعد ذلك بشن حملة اعلامية ضد بني معروف متهما اياهم بالخيانة و بالتآمر مع الملك الهاشمي على سوريا و ارسل وزير الداخلية للمطالبة بسلطان إلا ان طلبه رفض و قد كان الدور الكبير للملكة زين ام الملك حسين في احباط المحاولة , كما ان الشيشكلي عرض في دمشق اسلحة يهودية كسبها الجيش في حرب 1948 مدعيا انه وجدها في حوزة بني معروف .

بعد هذه الاحداث استمر الشيشكلي بظلمه للزعماء و الشعب و تمادى بظلمه و استفرد في حكمه الى ان جاء يوم 25 شباط في الساعة السادسة و النصف صباحا حيث أذاع النقيب مصطفى حمدون نداء يطلب به من الجيش التمرد و من الشيشكلي التنحي و فورا قامت حامية دير الزور بتأيده حيث ان امين ابو عساف من بني معروف كان قائدها وتبعته كافة تشكيلات الجيش و فعلا اضطر العقيد الشيشكلي الى التنحي و مغادرة البلاد مساء 25 شباط و هرب الى البرازيل من لبنان و اتهِم اخوه صلاح بتهريب المخدارات الا انه غادر البلاد ايضا .

عودة سلطان :

بعد اسقاط الشيشكلي توجه وفد رسمي من سوريا الى معان طالبا من سلطان العودة الى سوريا ,في الرابع من آذار انتقل سلطان و رفاقه الى عمان حيث استقبل بحفاوة كبيرة في محطة سكتها الحديدية و رافقه المستقبلون الى فندق فيلادلفيا حيث زاره هناك وزير الداخلية آنذاك هزاع المجالي الذي اعلمه انه ضيف الملك حسين , و في اليوم التالي عقد سلطان مؤتمرا صحفيا شكر فيه الملك و اشار الى العلاقة التاريخية بين بني معروف و الهاشميين و بعد ذلك في السابع من الشهر نفسه استقبله الملك حسين في قصر بسمان العامر و كان معه أخويه علي الاطرش و زيد الاطرش و ابن عمه متعب الاطرش و قد أهداه الملك مسدسا ذهبيا .

بعد استقبال الملك له اقيم له استقبال كبير في الزرقاء من بني معروف المقيمين في الاردن و قبيلة السردية الى ان غادر الاردن الى سوريا .

الثأر:

بعد خروج الشيشكلي من سوريا استقر اخيرا في البرازيل حيث اشترى لنفسه مزرعة في سيريس في مقاطعة جوباس النائية ظاناً انه سينجو بفعلته(طبعا النقود معروفة مصادرها) ,بعد استقراره هناك علم احد ابناء بني معروف المتواجدين في البرازيل و يدعى ( نواف غزالي) علم و بطريق الصدفة ان اديب الشيشكلي مستقر في مزرعة له في منطقة قريبة منه ,و نواف غزالي يتحدر من عشيرة محاربة تتواجد في قرية ملح و لهم باع طويل في الجهاد ,بعد ان صمم نواف غزالي على اخذ الثائر لبني قومه اعلم رفاقه هناك بنيته و فورا بدا الحراك للم التبرعات من اجل لجنة المحامين التي ستدافع عنه .

و بدأ البطل نواف في رحلة الثار حيث استطاع التعرف على مزرعة الشيشكلي و بدا بمراقبتها و انتظار الفرصة المناسبة ,و في يوم 27 ايلول من عام 1964 و بينما كان الشيشكلي ينزل من سيارته بعد عودته الى المزرعة صاح به نواف و قال ( شيشكلي وين علمك بعيال معروف ) و بينما كان الشيشكلي يهم بالاختباء كانت رصاصتان قد اخترقتا صدره منتقما بذلك للضحايا البريئة التي انزلها في بني قومه و لجميع ابناء سوريا , و اعتبر القضاء البرازيلي قضية نواف غزالي غير عادية لانها انتقام لشعب ووطن .

و ما ان وصل الخبر الى الجبل حتى اقيمت الاحتفالات و أمت جموع المهنئين مضافة سلطان الاطرش لتهنئته , و بعد ثلاث سنوات قضاها نواف غزالي في السجن عاد الى الجبل ليذهب بعد ان وصل الى بيته في ملح الى سلطان باشا ليهنأه بالانتقام له و للضحايا و اقيمت الاستقبالات على شرفه و تكريما له على فعله البطولي .

توفي البطل نواف يوسف غزالي بتاريخ 21 تشرين ثاني 2005م حيث اقيم له في بلده مأتم مهيب شاركت به جموع غفيرة من بني معروف و كافة المناطق السورية و وفود من المملكة الأردنية و لبنان .

حرة و اصيلة ربعت بارض حوران .......... خياليها كيف ما وده يديره

يا رسل وصل خبر للباشا سلطان ......... و اهل الجبل كبيرها مع صغيره

زينوا الجبل و اشعلوا بيه النيران .......... نواف غزالي اخذ حق العشيره


وهذه أبيات من قصيدة للشاعر صالح بن ثاني عرابي قالها بعد عودة نواف غزالي من البرازيل :


وربوع اهلنا يا حلو طيب الخبر......... ياماحلا صوت الحدا بجنابها

وياماحلا السيف الصقيل الي انشهر....... يطلب حقوقا ماضيات حسابها

يامحلا جولة بطل عقب السفر............... وبرجعته صفحة فخر جلابها

نواف ويلي من عرق طيب انحدر.............. منبت نشاما وصلها من بابها

مانرتضي بالضيم لوضام القدر................. المعمعه حنا صعاق زهابها

نسقي العدا سم الافاعي والخطر.................... من جالنا كان العدو طلابها

ياعيال عمي يا هلي بدو وحضر................. يالابتي يلي الحرايب دابها

من رادنا بالذل خاب وماحزر.............. تعز الدخيل بلادنا و حنابها

العدو ينظر ديرتي نظرة شزر.............. يخسى العدو حنا حماة ترابها

سلطان منا و العجي لحق الاثر............. جولة ليوث ضاريات نيابها

انها نهاية كل ظالم
الموت المحتم
لقد طغا هذا الرجل
و ارتكب الجرائم في جبل العرب
و كانت نهايته الموت

هذه نهاية كل من يجول بخاطره أن يقرب الليوث الضارية ولن يجد له من شفيع