الجيره الحسنه

لقد أولت الديانات وخاصة الإسلام مسالة الجار أهمية عظمى ، حيث اوجب له حقوقا وواجبات يعجب المرء من كثرتها ، وتحتاج إلى عناية حتى يتمرس عليها ، وذلك حرصا على إحياء روح الترابط بين أفراد المجتمع ، وتأكيدا على توثيق عرى التواصل بينهم . وجاء ذكر الجار في كتاب الله العزيز حيث قال : " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وبالوالدين إحسانا وبذوي القربى واليتامى والمساكين ، والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب الجنب ، وما ملكت إيمانكم إن الله لا يحب مختالا فخورا صدق الله العظيم " ( سورة النساء ) ، فأطلقَت العلماء على هذه الآية اسم " آية الحقوق العشرة " . ولشدة ما كانت الوصية بالجار تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننتُ انه سيورثَه ، فمن قصّر في حقه عداوة أو بخلا فهو آثم " .

وليس الجار هو من التصق بيته ببيتك فقط ، بل يصف الدين الحنيف الجارَ كمن يقرب من منزل الإنسان بأربعين دارا من كل الجهات ، فقد قال أمير المؤمنين : " حريم المسجد أربعون ذراعا والجوار أربعون دارا من أربعة جوانبها " ، أي من الشرق والغرب والشمال والجنوب . ومن الأهمية بمكان اختيار الجار ، فعلى من يريد السكنى بمنطقة ما ، أن يستطلع أحوال الجيران الذين سيجاورهم حتى لا يُبتَلى بجار السوء ، فقد قال الرسول ( صلعم ) : " الجار قبل الدار " . وكثيرا ما يندم الإنسان على اختياره المكان السيء لسكناه ، فقد قال لقمان الحكيم لولده : " إني حملتُ الحديد والحجارة فلم أر شيئا أثقل من جار السوء " . وقد نبّه الرسول أن لا نتهاون حتى في مسالة الجار غير المؤمن ، ويُروى أن كان له جار يهودي يرمي قمامته أمام منزل الرسول يوميا ، فافتقده ( ص ) يوما وعلم انه مريض فعاده وواساه ، فاسلم اليهودي لما رأى أخلاق الرسول وحسن مجاورته له . وللجار حقوق يجب أن تصان ، بعضها :

1. حفظه غائبا : ينبغي أن نحفظ جارنا في غيابه فنحفظه من السن الناس ، وندافع عنه أمام من يغتابه أو ينمّ عليه . وقد قال الإمام السجاد ( ر ) : " ولا تخرج أن تكون سلما له ترد عنه لسان الشتيمة " .

2. إكرامه حاضرا : من حق جارك عند وجوده بجوارك أن تعامله برحابة صدر وبِشر وجه وان لا تكون ثقيلا عليه ، وتكرمه وترفع من مقامه وشانه . قال الرسول : " لا يؤمن لا يؤمن لا يؤمن من لا يامن جاره بوائقَه . ( البوائق هي الظلم والتعدي ) .

3. نصرته مظلوما : إن نصرة المظلوم هي من صفات المؤمن الملتزم ، فمن حق جارك ان تنصره في حالة الاعتداء عليه وظلمه من الآخرين .

4. نصحه فيما يهمه : نصيحة المؤمن لأخيه تشعره بالاهتمام والرعاية ، ولكن يجب أن تكون النصيحة بالسر وليس أمام الناس وبلغة استعلائية . قال أمير المؤمنين : " من وعظ أخاه سرا فقد زانه ومن وعظه علانية فقدَ شانه " .

5. مواساته : المواساة من ركائز المجتمع التي توثق عرى العلاقات الحسنة ، لا سيما بين الجيران ، وقد قال الرسول : " وإذا مرض عدتَه وان مات تبعتَ جنازته ، وان أصابه خير سرّك وهناتَه وان أصابته مصيبة ساءك وعزّيتَه " .

6. الصفح : من حق الجار ان تصفح عنه وتقبل عثرته إذا جاءك معتذرا ، فانّ رد العذر من لؤم النفس ويدل على تكبر فاعله ، وقيل في رسالة الحقوق : وتقبل عثرته وتغفر ذنبه .

7. إقراضه إذا طلب : قال الرسول : " وان استقرضك أقرضته وان استعانك أعنته وان احتاج أعطيته " .

8. عدم الاطلاع على سره : من مكارم الأخلاق أن يراعي الإنسان خصوصية جاره ، فلا يرسل بصره بحثا عن أمور شخصية ، ولا يختلس النظر والسمع كقول الشاعر :

أعمى إذا ما جارتي برزَت حتى يواري جارتي الخدر

قال الرسول : " ولا تستظل عليه بالبناء لتشرق عليه وتشد عليه الريح إلا بإذنه " ، وقال الإمام السجاد : " ولا تتبع له عورة ، فان علمتَ عليه سوءا سترتَ عنه " . واسواْ أنواع التتبع ما كان بقصد الهتك ونشر العيوب بين الناس .

9. عدم الأذية : حرمة أذية الجار من الكبائر بل من أكبرها ، ويكفي ما قال رسول الله : " من آذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله " .

ويحكى أن رجلا أتى الرسولَ سائلا : " كيف لي أن اعلم إذا أحسنتُ ا م اساْتّ " ؟ فقال (ص) : إذا سمعتَ جيرانك يقولون انك أحسنت فقد أحسنت ، وان قالوا انك اسات فقد اسات " .

عن سعيد بن المسي بان النبي قال : " حرمة الجار على الجار كحرمة أمه " .

وعن أبي شريح الكعبي ان الرسول الكريم قال : " من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليكرم جاره وليكرم ضيفه ثلاثة أيام ، وما كان بعد ذلك فهو صدقة " .

أخي القارئ الكريم ، هذا غيض من فيض من وصايا الرسول ( ص ) وبعض العلماء عن الجيرة الحسنة ، ولا يتسع المجال لأكثر من هذا حاليا ، ونرجو من العلي القدير أن يقدرنا على نشر المفيد ، لنعيش في مجتمع محب خلوق خيّر ، هدانا وإياكم سواء السبيل !

للامانه منقول