هبابي قصة تراثية

فايز عزام
من تراث عسفيا
هبابي
كان، سكن شيخ وامرأته الفاضلان بيتا منفردا بأطراف قرية عسفيا من جهة الشرق. اخبر بعضهم: في معصرة العظام، وغيرهم ذكر: في خربة علي الدين. وآخرون قالوا: في خربة دويبة قرب المحرقة.
كانا وحيدين يفلحان ما حولهما من ارض ويربيان بعض غنمات وعنزات ودجاجات، ويعيشان على ما ينتجان رزقا حلالا من كدهما.
كان يعملان قليلا لسد حاجتهما ويتعبدان كثيرا.
وكانا يترددان على قرية عسفيا للتزود بما ينقصهما لتدبير شؤونهما. حرص الشيخ جدا الا يترك امرأته وحدها .
وحدث ذات يوم انه اضطر للذهاب في حاجة ملحة الى عسفيا. فقال لها: ادعي لنا بالتسهيل. فقالت: الله يسهل عليك، ولكن لا تتأخر لان قلبي يحدثني بمصيبة ستقع، فقد حلمت حلما مزعجا. قال: لا توصي حريصا. سأعود قبل ضب الرمس."
تأخر الشيخ. ومالت الشمس على الى الغروب ولما يصل. أخذت المرأة ترقب الدرب آملة ان يصل رجلها قبل المغيب. ولما يئست دخلت البيت وأقفلت الأبواب والنوافذ، خائفة على نفسها ووجلة ان يكون زوجها قد أصيب بضرر، ثم أخذت تصلي وتتضرع الى المولى ان يمنع عنها وعن زوجها السوء.
شعرت المرأة بحركة مريبة حول البيت، وزاد خوفها عندما سمعت صوتا غريبا لم تعهده من قبل. فقامت الى الباب ومكنته فوضعت خلفة ما قدرت حمله من أثاث البيت لتصد ما تخشاه. ثم جلست وصارت تتلو ما تيسر من كلام الخير ليبعد الله عنها الشر ويحميها ويستجيب لها برجوع زوجها أو انصراف الخطر.
صحت توقعاتها وتخوفها وزاد هلعها عندما سمعت صوتا يقول: افتحي يا هبابي"
عرفت ساعتها ان بالخارج احد العبيد السود الذي يتحدثون عنهم أنهم يربطون الطرق ويسلبون الناس ما يحلو له من أموالهم وأرزاقهم.
اخذ العبد يقرع الباب وينادي افتحي يا هبابي ( حبيبي). ولما لم يُفتح، اخذ يهزه ويدفعه فتهتز الدار، ومعها بدن المرأة وقلبها.
ولما عجز عن فتح الباب، أخد يحفر بيديه القويتين تحت عتبته، ليدخل من تحتها. رأت المرأة التراب يُسحب من تحت العتبة، وأخذت الفتحة تكبر، والمرأة تزيد في الصلاة والتضرع والبكاء الصامت.
ولما شاهدت يديه تظهران من تحت الباب، قررت ان لا بد من العمل، استخارت الله وسألته الإعانة والتوفيق ان ينقذها من براثن هذا العبد. فشعرت بقوة غريبة وبقدرة على التحدي. فخطر بالها خاطر سالت الباري ان يعينها.أخذت سكة المحراث ووضعتها في الموقد المشتعل. وكان العبد قد ادخل رأسه من تحت العتبة وأوشك ان يدخل كتفيه، وبدا ينظر إليها متوعدا متأكدا بانتصاره.
فأخذت السكة وقد احمر رأسها وقالت يا معين تعين." وبكل شجاعة غرزتها بين كتفيه. فصرخ صوتا اهتزت له أرجاء المكان.
سمع الشيخ صوت الصراخ، وكان ما زال في عسفيا، ففطن لوعده، ورجع مسرعا وهو يحسب إلف حساب لما قد حدث لامرأته، ويحاسب نفسه على التأخر، ويسال الله الا يكون مسها ضرر. ولما وصل وجد العبد قد مات. فحمد الله وشكر امرأته على شجاعتها وباسها. بكت المرأة على كتفه دون ان تنطق بكلمة.
ولما تأملها في الصباح وجدها قد ابيض شعر وجهها ورأسها. فزادت في نظره هيبة ووقارا.
وفي ذلك الصباح رزما أغراضهما وساقا مواشيهما وانتقلا الى قرية عسفيا وأقاما فيها. لان الحذر واجب والمخاطرة غير محمودة.
ويحكى ان هذه العائلة كانت الجدين الأولين لآل صقر الكرام المقيمين في عسفيا. والله اعلم !