توطن الموحدون

فايز عزام
توطّن الموحدون في الكرمل
عسفيا ابنة شفاعمرو
لان أجدادنا الأفاضل لم يتركوا لنا وثائق ولا مذكرات عن تاريخ قدومهم وتوطنهم في الكرمل، فإننا بالاستناد الى روايات شفوية واستنتاجات وشواهد ونقاشات مع بروفيسور قيس فرو وكمال كيوف واخرين، نضع أمام القراء الكرام فكرة اولية متواضعة عن تاريخ توطن الموحدون في الكرمل وعسفيا، مستعدين قبول تصحيحات وإضافات.
مأثور ومتواتر ومتوارث ان وهب اول من قدم الى عسفيا.
سكن ال وهب قرية المطلة يوم كانت موحدة. والدليل ان فرع من عائلة وهب مازال يقطن في حاصبيا وجنوب لبنان.
لسبب ما غادر وهب المطلة قادما الى الجنوب. وقد يكون مر في طريقه بقرى الجليل أثناء تفتيشه عن موطن جديد يناسبه. لم يرحل وهب قاصدا عسفيا ولم يكن معه خارطة أو جي. بي. اس يدله على جبل الكرمل وعسفيا.
في ترحاله وصل قرية شفاعمرو. ويبدو انه كان طرّاشا بدليل ان ال وهب حتى فترة أخيره كانوا معازين. وربما صعد بقطيعه الى جبل الكرمل الذي كان خاليا من السكان، تغطيه الأحراش وتسكنه الوحوش البرية: الضباع والذئاب والنمور. فان أمي رحمة الله عليها وعلى أمواتكم، حدثتني ان لجدها كانت بقرة قتلت نمرا دفاعا عن عجلها.
وفي تجواله وجد عقدا هو بقايا كنيسة، فسكنه. ولما وجد الماء وفيرا والمرعى خصبا والمنطقة خالية، قرر الاستقرار فيها. وعلم الموحدون بهذه الجنة الجديدة، فقدموا إليها.
ولان القادم الجديد كان يبني بيته ملاصقا للبيت الذي سبقه، دعما للبناء وتوفيرا وحماية وأمنا، فان ترتيب مواقع البيوت بجوار بيت وهب وفي نواة القرية- التي تقع بين حارة المنزول والخلوة الشرقية – تشير الى حد ما الى تسلسل قدوم العائلات الى عسفيا.
وبناء عليه حاولنا تبسيط الأمور وتتبع مجيء العائلات ووضع جدول لذلك:
الهجرة الأولى: ال وهب
الهجرة الثانية: جاءت من معارف وهب في موطنه الأول في المطلة وجنوب لبنان: ال عزام من المطلة، فقد حدثني السيد ابو جلال ايمن وهب وهو من القادمين من حاصبيا ان جدته لامه من ال عزام من المطلة، وكذلك ال ابو سعدى وصقر وأبو ركن، اتوا من جنوب لبنان. ثم ال فرو وتلحمي. ثم ال عساف الذين هاجروا الى جبل الموحدون خلال الحرب العالمية الأولى، كما هاجر غيرهم. بعضهم بقي هناك مثل افراد من ال سابا وال كيوف. وبعضهم رجع.
الهجرة الثالثة: ال روحانا وسابا وزاهر وكيوف وعزمي ومرزوق.
الهجرة الرابعة: ال شروف وأبو فارس وعبود وشلح وحمدان وهلون
الهجرة الخامسة: ال حلبي الذي قدموا من خربة بستان اثر خرابها حوالي سنة 1850.
السادسة: ال صعب وخليل وأبو تميمة- سراي الدين- الشيخ، وطربيه وخرمان ولالا وبط وأبو الزلف وليلاوي وشخيدم ونصار وعطشة وكسراوي وعلي – اسعيد – اسعد .
وآخر الهجرات حتى سنة 1900 كان ال مارون الذين قدموا من الخريبة قرب الجماعة حيفا.
المدة بين الهجرة والأخرى سنوات معدودات من الصعب إحصائها.
أما ال منصور وعلو فمن أوائل العائلات، رغم انهما لا تملكان بيتا في نواة القرية. ويظهر أنهم اختاروا السكن قرب اثر تاريخي وهو الكنيس اليهودي الواقعة آثاره قرب الخلوة الغربية.
تكونت القرية براسين. النواة قرب الكنيسة، وحارة قرب الكنيس. وأما المستوطنون الذين سكنوا بين الحارتين فقدموا في الهجرة الرابعة وبعدها.
ونعود الى شفاعمرو فلولا سكنى وهب في شفاعمرو، لما عرف الكرمل وعسفيا. ولما توطنه. لان الموحد لا يستطيع ان يقيم نقطة توطن جديدة الا في محيط قرية أقدم منها، مطلة عليها، تكون ظهيرا لها تؤمن لها الحماية وقت الحاجة، وتوفر لها العلاقات الدينية والاجتماعية والأسرية .
كما ان عائلات عديدة عسفاوية أصلها من شفاعمرو مثل: ال خليل وأبو تميمة سراي الدين- الشيخ وطربيه .
أما الهجرات في القرن العشرين التي تزامنت مع الثورة الموحدة السورية الكبرى وتلك التي تمت بعد قيام دولة اسرائيل في سنة 1948 وما بعدها، فتستحق موضوعا خاصا. وقد يفعل ذلك من يرى عنده معلومات كافية لطرح الموضوع.
أما لماذا اللهجة العسفاوية تختلف عن لهجة جارتها دالية الكرمل؟. ولماذا لهجة أهالي عسفيا فلسطينية جليلية وليست لبنانية مع أنهم قدموا من لبنان؟
الجواب يكمن في ان العائلات العسفاوية الأولى المؤسسة قد تكون في طريق ترحالها سكنت في بعض قرى الجليل قبل وصولها الى عسفيا ومرت بفترة تطبيع لغتها في تلك القرى.
كما ان بعض العائلات جليلية أصلا مثل ال ليلاوي وأبو الزلف من ابو سنان وال عطشة وبط من يركا وال شخيدم من جولس وال روحانا من الناصرة. وبعضها من شفاعمرو كما ذكرنا. وليس عبثا أن لهجة عسفيا قريبة من لهجة أهالي ابو سنان وجولس. فهذا الخليط الجميل كون هذه اللهجة العسفاوية الجميلة.
وفي دالية الكرمل كان السكان الأوائل من منطقة حلب. وكان انتقالهم من موطنهم هناك الى الدالية قصيرة، بحيث حافظوا على لهجتهم الأصلية، ثم ان الهجرات التي قدمت فيما بعد، أتت معظمها من منطقة حلب، فترسخت هذه اللهجة.