موحدون حلب

الشيخ الدكتور فايز عزام
محن حلب
إن دروز شمال سوريا يطلق عليهم حلبية، كما يطلق على دروز الجليل صفدية، مع أنهم لا يسكنون لا في حلب ولا في صفد. ولكن لأنه في فترة المماليك كانت صفد عاصمة الشمال قيل لهم صفدية. ومع أن موحدون حلب يتبعون الى محافظة ادلب الواقعة بين حلب شرقا واللاذقية غربا وعلى حدود تركيا، نسبوا الى حلب لانها اشهر من ادلب.
أن دروز هذه المنطقة أصليون منذ عصر الدعوة التوحيدية وقبل ذلك. وقد سميت بلادهم في المصادر التوحيدية جبل السماق والجبل الأعلى والجبل الأنور. وقد خصهم سيدنا أبو إبراهيم برسالة، وكذلك سيدنا بهاء الدين سلام الله عليهما. وموحدون اليوم هناك هم احفاد هؤلاء الأشاوس الذين بقوا رغم تراكم المحن عليهم من السلطات والجوار.
كانت هذه المنطقة أكثر البلاد كثافة بالموحدين. ولكن المحن المتلاحقة عليهم أجبرتهم على النزوح من بلادهم إلى المناطق الدرزية الأخرى. فكانوا موردا وخزانا غذى المناطق الأخرى وكثفها وقواها كجبل لبنان ووادي التيم وغوطة الشام وجبل الموحدون والجولان والجليل والكرمل. فلا يوجد منطقة موحدة تخلو من عائلات أصولها حلبية.
وقد امتحنوا منذ عصر الدعوة. فكانت المحنة الأولى والتي تسمى محنة حلب، حال تولي علي الظاهر الخلافة الفاطمية بعد مولانا الحاكم سنة 1021 م/ 411 هـ فأعلن المحنة على الموحدون. وكان شريكه صالح بن مرداس الملقب بلا صالح.
أما المحنة الثانية فكانت سنة 1032م بمشاركة البيزنطيين والفاطميين وأهالي المنطقة الذين تخوفوا من قوة الموحدين. وقد امتدت هذه المحنة من إنطاكيا إلى الإسكندرية، وكان أشدها في إنطاكيا التي كانت تسمى معدن الدر والجوهر لكثرة الموحدين وعلو شانهم في الدين. ويظهر أن هذه المحنة قد قضت على الوجود الموحد في إنطاكيا تماما. ولم تقض على تواجد موحدون في جبل السماق.
وأما المحنة الثالثة فكانت سنة 1811م، وقد أدت هذه المحنة إلى هجرة حوالي 1500 عائلة إلى لبنان، مما حدا بالشيخ بشير جنبلاط إلى استقبال هذه العائلات وإيوائها قبل تفرقها في المناطق الموحدة. وعلى إثرها قدم الدروز إلى دالية الكرمل والى جبل الموحدون.
وقد برز منهم شيوخ أتقياء علماء كبار اشهرهم الشيخ أبو عز الدين الكاتب مؤلف كتاب الشجرة، والدهشة، والماجروية الحلبية. واشتهرت ارض جبل السماق بخصوبتها، فقد احضر ابن الشيخ أبو عز الدين إلى الشيخ الفاضل ثمرة تين بوزن أوقية.
والقرى الموحدة في جبل السماق اليوم:
بدنابل، قلب لوزة، بشندلنتي، كفر كيلا، عبريتا، جدعين، بشندلايا، كفر مارس، تلتيتا، حلي، كوكو، الدوير، عرشين، كفر بني، كفتين ،البيرة، علاتا، معرة الإخوان.
وقد ذكر الاشرفاني في مؤلفه عمدة العارفين استنادا إلى المصادر التوحيدية أسماء قرى كثيرة لم يعد لها ذكر الآن، أما خربت أو انحرفت عن التوحيد منها:
باريشا، بسنقول، كفر نجل، صرفود، دارحين، ميزناز، حارم، سموقة، مرتحوان، معرة مصرين.
واخيرا:
استنادا إلى تاريخ هذا الجبل الأشم الصابر الصامد الموحد، واعتمادا على أهله العارفين الموحدين واتكالا على رب العالمين وسيدنا أبو إبراهيم، ستمر هذه المحنة كغيرها من المحن. وسيبقى إخوتنا وفي هذه البقعة النيرة صخرة صامدة كجبلهم. ويذهب المعتدون الغاشمون كزبد البحر وهباء منثورا